logo

زوايا منسية

4/11/2024

في زاوية منسية من الشارع، حيث تتلاقى أقدار الناس دون استئذان، مررت بمسنّ سبعيني يفترش الأرض كما يفترش الليل سماءه. كانت عيناه ترتسم بهما خرائط البؤس، عينان غائرتان كأنهما بحيرتان جفّ منهما الماء، ولم يبق سوى طين الأسى. الألم يعتصر روحه في صمت، صمت مدوٍ كأنه صرخة في فضاء النسيان.لم يكن هناك شيء يمكن أن يخبرني بقصته، لا صورة باهتة ولا كتاب مفتوح، فقط تلك النظرات التي تحكي سنوات عجافٍ من الحياة. هناك، تحت وطأة الزمن والإهمال، كانت تنبض قصة إنسانية تائهة بين طيات الواقع المرير.كان مشهده يبعث في النفس شجونًا لا تنتهي، تمامًا كما تُرِك هو، بين أحضان مدينة لم تعد تذكره. ومع كل نسمة هواء تمر، كان يبدو كأنه يردد قصيدة الحياة الأخيرة، قصيدة لم يسمعها سوى من مرّوا به واختاروا أن يروا.
لحظتها، أدركت أن كل منا يحمل قصته، وأن الحياة تخبئ في طياتها ألوانًا من الألم والفرح.
ولكن، بالنسبة لذلك المسن السبعيني، كان الوقت قد ترك بصماته، وكأن كل خطٍ في وجهه يروي حكاية من حكايات الزمن.


logo

مجرد بوح مدونة شخصية

© 2023. All rights reserved.