logo

على قارعة الحنين

4/26/2024

أحيانًا تخونني الذاكرة، تتركني على قارعة الحنين، بين زوايا الماضي المتشظي، وفي جيوب النسيان العميق. أقف هناك، وحيدًا، أتحسس الفراغ الذي تركته أسماء ووجوه عبرت سكة حياتي، كأنها كانت حلمًا زائفًا، أو ضبابًا عابرًا في صباح باكر.

في تلك اللحظات، تصبح الذاكرة مرآة مكسورة، تعكس صورًا مشوهة، لأحداث دون ترتيب، ولأصوات تفقد وضوحها في همس الزمن. أحاول جمع شتات تلك الصور، أعيد تركيبها كما يعيد الطفل تجميع لعبته المفضلة بعد أن تناثرت قطعها، أبحث في الألوان والظلال عن معالم واضحة، لكن دون جدوى.

المفارقات تغدو أكثر وضوحًا، ففي الوقت الذي أتذكر فيه تفاصيل ثانوية كالرائحة التي كانت تملأ الغرفة في يوم ممطر بعيد، أجدني عاجزًا عن استرجاع أسماء أشخاص كانوا يومًا جزءًا من يومياتي. هذه النسيانات المفاجئة تُرهقني، تُحيلني إلى سفينة تائهة في بحر الفوضى، تبحث عن مرسى.

أتساءل أحيانًا، هل يعقل أن تضيع الذكريات كما تضيع الأشياء الصغيرة في جيوب الشتاء؟ أم أن هناك سردابًا مغلقًا في عقلي، يخبئ كل تلك الأشياء حتى إشعار آخر؟

ومع ذلك، في كل مرة تخونني الذاكرة، أجد في النهاية بريق أمل، ربما بعض النسيان مُتعمد، لحمايتنا من ثقل ما مضى، لمنحنا الفرصة لنعيش الحاضر بأقل قدر من العبء، لنستطيع التقدم خطوة إلى الأمام نحو المستقبل.


logo

مجرد بوح مدونة شخصية

© 2023. All rights reserved.